Friday, May 25, 2007

ابحثــوا عــن الجـنـس!

مجلة " فصل المقال الفسطينية - الجمعة 25 -5-2007
علاء حليحل
الإسلام السياسي الأصولي يسعى -عندنا وفي العالميْن العربي والإسلامي- إلى تطويق حياة الفرد في ضمن محرمات وممنوعات مستمدة من نصوص دينية. هذا برز في محاكمة مثليي الجنس في مصر وفي الحملة على رواية «إيثاكا» لرءوف مسعد التي تروي هذه الواقعة، وفي الوثيقة التي تنوي الحركة الإسلامية-الجناح الجنوبي صوغها، حيث لا يوجد فيها مكان للمثليين وللزواج المدني-وطبعًا خنق المرأة خلف «ألبسة محتشمة»!1. من أكثر الأمور التي تحتلّ عناوين نشاطات حركات الإسلام السياسي الأصولي -عندنا وفي العالميْن العربي والإسلامي- هي أمور تتعلق بالجنس وبالمرأة. فإذا صدر كتاب فيه توصيفات أو سرديات أيروسية أو جنسية، تثور ثائرة القيّمين على الأخلاق الرفيعة، ليطالبوا بإحراق الكتاب أو مؤلفه/مؤلفته، لأنه يخدش الحياء العام ويخالف الشرائع الدينية، هذا إلى جانب محاولات إخفاء المرأة خلف براقع وأحجبة وستائر سوداء أصولية تهدف «لحماية المرأة»! آخر هذه الهبّات ما يحدث مع الكاتب السوداني الأصل، هولندي المَقيم، رءوف مُسعد، الذي نشر مؤخرًا رواية بعنوان «إيثاكا»، وهي رواية تتحدث عن مأساة حادثة «كوين بوت» (قارب الملكة) التي وقعت في مصر في 2004، حين اعتقلت السلطات المصرية أكثر من 30 شابًا مصريًا كانوا يُجرون حفلة في السفينة، حيث قالت السلطات إنهم كانوا يمارسون اللواط.هؤلاء الشبان تلقوا أحكام سجن طويلة وجائرة، لأنهم كانوا يمارسون حقهم الشرعي والطبيعي في أن يقيموا علاقات حب وجنس مع من يرغبون، ما داموا لا يُلحقون الأذى بأيِّ أحد، وما دامت ممارساتهم الحميمة تقوم على الموافقة المتبادلة. والغريب في الدول العربية والإسلامية أنّ «أحكامَ الشريعة» وممنوعاتها وسطوتها لا تُفعّل إلا على المساكين والضعفاء والمُهمَّشين؛ فهناك على الأقل رئيسان لدولتيْن عربيتيْن (من الملوك والسلاطين والحُكام) يمارسان الجنس المثلي، وغريب أنّ الشريعة لم تهبّ ضدهما. كما أنّ الشريعة والغيورين عليها لا يَهبُّون من باب «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» لتحرير الأقصى مثلا، أو لنصرة المذابح التي تنفذ ضد المسلمين وغيرهم، كما أنهم لا يتظاهرون ويستميتون في الحفاظ على وحدة الأمة في مناطق التنازع بين الأخوة. فالتطاول على الضعفاء أيسرَ، وبما أننا شعب شرقي متخلف، يسهل التحريض عندها في مسائل الجنس والجسد والنساء؛ فأسهل بألف مرة أن تُجند لمظاهرة أو لأعمال عقابية بربرية ضد مثليي الجنس أو ضد نساء «اقترفن الفاحشة»، من أن تحشد ألوفًا غيورة على الشريعة والدين من أجل تحرير الأقصى من الاحتلال أو القدس أو فلسطين أو العراق وغيرها.نحن أمة أمَة لغرائزها، وجميع المتشبثين بأذيال الدين من أجل معاقبة الغير على تصرفاته الحميمة والمتعلقة به وحده، إنما يفعلون ذلك لسبب انشغالهم بهذه الغرائز واستسلامهم لها، فلا يرون الدنيا إلا من خلال الجنس. هل تريدوننا أن نطالب جميع مُريدي وقياديي الإسلام السياسي بأن يكشفوا عن حيواتهم الجنسية وممارساتهم أمام الملأ؟.. هل هم فوق الممارسات والنزعات والمُساءَلة؟ عن هذا قال مُسعَد في لقائه مع موقع «العربية»: «والمثال الواضح هو النشاط «الجنسي» لنواب الإخوان المسلمين في مجلس الشعب؛ فالمتتبع لأسئلتهم واستجواباتهم سيجد أنّ نصفها على الأقل تنصبُّ في موضوع الجنس، الحجاب مثلا والزوبعة التافهة حوله، رواية «وليمة لأعشاب البحر»، أفيشات بعض الأفلام، الخ. إنّ الإسلاميين أسّسوا تجارة رابحة وكبيرة حول «الممنوعات الجنسية والثياب الحلال».»***2.في ردِّه على الحملة التي تُشنّ ضده، كتب مُسعد في موقع «كيكا» -من ضمن ما كتبه- ما يلي: «ذهب البعض في جهلهم بأنّ الجنس المثلي باعتباره بضاعة مستوردة من الغرب، وأنا أحيلهم إلى أشعار العرب في عصر ما قبل الإسلام مثل ديوان الكميت بن زيد الأسدي والى ابن الأثير الجزء الأول مادة حشيش والزبيدي في تاج العروس والى الميداني في مجمع الأمثال ج3. وإذا كانت الحكايات الدينية تقول إنّ هذا الفعل كان موجودًا في عصر النبي لوط فلماذا نلصقه بالغرب وبالصهيونية؟ ألم تقرأوا كتاب «تفضيل الغلمان على الجواري" المكتوب منذ أكثر من بضعة قرون وأعادت طبعه منذ سنوات قليلة دار الانتشار اللبنانية باعتباره من التراث العربي ولم يهاجم أحد الكتاب أو الناشر؟!»هذه المعاملة التي يلقاها المثليون في مجتمعات كمجتمعنا لا تنحصر في أرباب الإسلام السياسي الأصولي، بل تتعداهم إلى كافة فئات المجتمع. فهذا - على ما يبدو- موضوع يجلب الإجماع الكبير غير المنازَع، ويجلب تفاهمات حوله تنعكس في الشتم والسّباب وإطلاق النكات ضد هذه الفئة، على اعتبارها فئة «شاذة» خرجت عن الصراط المستقيم، الصراط الذي نتخيل أنه مستقيم، أو الذي أقنعونا به من خلال مئات السنين بأنه المستقيم بعينه!في اللقاء مع موقع «العربية»، جاء: «سألتُه (أي مُسعد) عن المخاوف التي تطارده خشية اتهامه بالشذوذ بعد كتاباته وزياراته وتردّده على أندية المثليين الجنسيين في الغرب، فأجاب «لم تعُد الاتهامات تهمّني فحتى ما تطلق عليه أنت اصطلاح «الشذوذ» لا اعتبره تهمة ولست في معرض نفيه وإنكاره أو تأكيده، فالسلوك الشخصي للإنسان ونشاطه الجنسي هو أمر بالغ الخصوصية لا يحق للآخرين التدخل فيه. ويتساءل مُسعَد «هل تستطيع أن تقول لي ما هو الأذى الذي يسببه النشاط الجنسي للمثليين؟ في السياق ذاته يقول مدافعاً عن سلوك المثليين: «إنّ السلوك المثلي أسلوب لحياة جزء من المجتمع حتى لو كان صغيرًا، أليس النشاط الجنسي لضحايا الباخرة المصرية «كوين بوت» عام 2004، هو شيء يخصّهم، فلماذا إذا يحاكمهم القانون بتهمة اعتياد الفجور طبقا للمادة القانونية التي قدمتهم بها النيابة العامة للمحاكمة وهم في الوقت نفسه وطبقا للمحاضر الحقيقة للشرطة لم يتعاطوا الجنس مقابل المال.»3.ردًا على «وثيقة حيفا» الصادرة أخيرًا، وبالأساس عليها، لما تحمله من توجه لبرالي ومنفتح من الناحية الاجتماعية، وكونها الوحيدة التي تطرقت إلى هذا الجانب بحدة ووضوح (كاتب هذه المقالة كان عضوًا في الهيئة العامة للوثيقة وعضوًا في لجنة الشؤون الداخلية التي صاغت هذا التوجه- مما اقتضى التنويه والمكاشَفَة الحَقَّة)، قررت الحركة الإسلامية-الجناح الجنوبي إصدار وثيقة خاصة بها، تُوضح لكاتبي «وثيقة حيفا» من أين جهة تشرق الشمس.ففي موقع «معريف» على الانترنت، صرّح النائب عباس زكّور (17 أيار الجاري) بأنّ العمل على وثيقة جديدة للتصور المستقبلي للعرب في البلاد يجري هذه الأيام، وستتمحور الوثيقة في أن يكون المجتمع العربي «من دون لوطيين وسحاقيات ومن دون سموم ومن دون زواج مدني وعلى النساء فيه أن يُلزَمن بارتداء ألبسة مُحتمشة». هل انتبهتم إلى أنّ أربعة من المواضيع الخمسة المُلحّة في هذه المحرمات تتمحور في الجنس والمرأة والعلاقات الخصوصية بين الناس؟.. ولا شكّ أنّ المماحِكين من الإسلاميين الأصوليين سيقولون صارخين: أنتم تستوردون منظومات غربية في وجه إسلامنا وتقاليدنا ومُحرّماتنا. وسأقول بهدوء: في مقابل محرمات كهذه مبنية على عقد جنسية وعلى قمع المرأة- أنا مع الغرب!وورد أنّ الوثيقة تنزع في الأساس نحو تثبيت الأصول والمعايير الاجتماعية التي يجب أن تضبط المجتمع العربي في إسرائيل وتُسيّره. وقال زكّور: «التطرق إلى المواضيع الاجتماعية كان من جانب «غير المؤمنين» وليس من الجانب الإسلامي. لا يمكن لأحد أن يتجاهل الجناحين الشمالي والجنوبي من الحركة الإسلامية (...) ولذلك فإنّ ما هو مقبول على امرأة شيوعية أو أخرى غير مقبول علينا وعلى نسائنا المسلمات.»الغريب أنّ زكور يعتبر النساء المشاركات في صوغ الوثيقة «شيوعيات أو أخريات» ولسن مسلمات (اللواتي ينتمين إلى الدين الإسلامي من بينهنّ)، لأنهن ببساطة لا يتلقين الأوامر منه. فكل امرأة مسلمة تتعامل مع دينها وحرياتها من منظور مختلف عن المنظور الذكوري القامع الديني هي ليست مسلمة بالضرورة، وهذا غير ممكن في سياقات ومصطلحات الإسلاميين. المرأة الصالحة هي من تسمع كلام زوجها ولا تغضب المشايخ. هذه في الواقع امرأة خانعة وليست امرأة صالحة. ويستمر زكور: «نحن لا ننوي فرض القيم الإسلامية على أحد، ولكن لا مناص من احترام القيم الإسلامية مثل وقف دعم المثليين وتسيير اللباس «المحتشم» ومنع الزواج المدني. هل فهمتم؟.. لا نريد أن نفرض ولكن لا مناص من... هذا استهبال للناس ولعقولها. لماذا عليّ أنا -كابن لعائلة مسلمة، إذا أردتم أن تعرفوا بالمناسبة- أن أتقيد بتعاليم إسلامية لا أومن بها أو أنني أقرأها بشكل مغاير؟ أليس اختيار نهج الحياة هو حقي، من دون علاقة بقراءات ومناهج الحركات الإسلامية؟الإسلام السياسي الأصولي يتبع الترهيب في كلّ ما يفعله. إذا لم تفعلوا كذا فستُشوُونَ في النار. إذا لم تفعلوا كذا فإنّ الله سيسخطكم، وغيرها من التهديدات المُهينة لعقول الناس. هذه الوسائل تنطلي على الكثيرين، وأكثر الطرق إقناعاً بـ «التوبة» هي ما يصفه رجالات الإسلام السياسي من عذابات القبور وهَوْلها، كأنهم جرّبوها أو كأنّ أحدًا عاد وروى لهم تفاصيلها. من لا يخاف من توصيفات كهذه؟.. وأية امرأة تستهلك طول عمرها تهديدات بنار جهنم إذا لم «تستر» جسدها، ستقاوم هذا الخوف والتخويف؟4.لا مانع من أن تصوغ الحركة الإسلامية وثيقة لها، فهذا حقها، ويمكننا أن نتناقش معها فيها. ولكن المشكلة هي في تكفير وإنكار الآراء المختلفة التي تتبنى وجهات نظر مختلفة للدنيا، لا تقوم على تحريمات وترهيبات ونصوص دينية يُفترض أنها مقدسة وتعرف الإجابات عن كل شيء. فضرورة تطبيق المُنوعات التي يتحدثون عنها هي قمع وإرهاب فكريين، وإذا حصل وحكمونا في أحد الأيام فسيتطور هذا القمع إلى قمع جسدي وممارساتي شنيع.«وثيقة حيفا» وغيرها تطرح مسارًا واقتراحاتٍ لتصوّرات رؤية أنفسنا في المستقبل. لا تحريم فيها ولا إنكار ولا دعوات لعزل مجموعات كاملة من الناس لمجرد ميولهم الجنسية (13% من كل مجتمع هم من مثليّي الجنس، وفق جميع الإحصاءات الدولية). إذا كان هذا المبدأ فإنني يمكنني أن أدعو مثلا إلى مجتمع لا مناص فيه من نبذ المتدينين وإقصائهم لأنهم يؤمنون بغيبيات غير مفهومة يسمونها «الإيمان». هذه طبعًا سخافة من جانبي، أن أقول وأفعل هذا، وهي سخافة من جانب الإسلام الأصولي أن يدعو إلى نبذ مجموعات غير قليلة من مجتمعنا لأنّ الشيخ الفلاني قرّر هذا (من أهّله بالمناسبة ومن يوزع هذه الألقاب؟). الحوار سيّد التقدم. تريدون الحوار؟ تفضلوا. تريدون التحريم والتكفير والتّجريم، فسنأتيكم بمثلها، لأننا نخاف على مجتمعنا وبيئتنا وقيمنا العلمانية المتنورة التقدمية.
يوم الجمعة - 25 أيار 2007

No comments:

Post a Comment