Friday, June 8, 2007

انا وجسدي

في يناير من العام2006 ذهبت الى المستشفى في امستردام لإجراء عملية ازالة للبروستاتا. انها تجربة ذكورية بامتياز ، لأنها مرتبطة بمجموعة من الإحساسات الجسدية والنفسية. فغلإحساس الجسدي المباشر هو انهاء عملية القذف التقليدية للذكر بعد الفعل الجنسي ؛ فالبروستاتا هي المخزن المكون للسائل الذي تسبح فيه الحيوانت المنوية.
هذه واحدة
اما بقية الرتباطات المتشابكة الناتجة عن العملية فهي تؤثر كثيرا في الوضع النفسي للرجل واقل ما تؤثر فيه هو اضعاف اللبيدو او الرغبة الجنسية .
انها عملية جراحية بتخدير كامل وتستمر حوالي ساعتين خاصة للمسنين امثالي الذين يعانون من مشاكل في القلب.

هنا تبرز عبثية جسد الإنسان . فمن المناطق التي يستمد منها لذته الحسية يكمن مرضه وعذابه و موته في الأغلب . فسرطان المثانة او سرطان الشرج والإيدز وسرطان الثدي وسرطان الرحمواورام المبيض النسائية بالإضافة طبعا لللإيدز هي كلها في مكامن اللذة ومنابعها.
والتفاصيل كثيرة وموجودة في النيت .
اتحدث هنا عن " الشخصي " عن الإحساس بالدخول في منطقة جديدة من حياتي لكم اكن اتوقعها وهي منطقة الأمراض الخطرة والعمليات . فقبل ذلك بثلاث سنوات اجريت ثلاث عمليات صغيرة متتابعة في القلب . صغيرة لأنها بدون بنج ولأنها غير خطرة لكنها ضرورية لتوسيع الشريان ووضع دعامة او بالونة فيه . يترتب على هذا الكف عن التدخين بانواعه والإقلال من الكحول والحذر في ممارسة كافة انواع الأنشطة الجسدية ( بما فيها الجنس باعتباره نشاطا !) والإقلال من التوتر ( في الكتابة )والعلاقات البشرية بصفة عامة.
لا بأس !
عملية البوستاتا التي استمرت ساعتين تطلبت شهران من النقاهة ومراجعة الطبيبي اكثر من مرة وكنت قبل العملية اكتب " ايثاكا " ورجعت للكتابة فيها ببطء بالغ بعدها حيث لك اكن اقدر سوى كتابة صفحة او صفحتين يوميا ثم اشعر بالإنهاك .
العملية ايضاجعلتني اتأمل حالي وعلاقتي بأسرتي زوجتي وبنتي وابني . فإنا منذ حوالي عشرين سنة في علاقة مع زوجتي . ابنتي كانت ايامها في التاسعة عشر وابني في السادسة عشر. اسرة صغيرة تمر بكل ما تمر به العلاقات الإنسانية من مطبات وصعود وهبوط .
العملية قاربت بيننا كثيرا .
هكذا انتظرت اكثر من ستة اسابيع موعد اجراء العملية المحدد لي .. انتظرت بصبر تافذ وقلق وتوتر وغضب .
الغضب من حسدي الذي شعرت به يخونني في سنواتي الأخيرة . ايامها كنت في الثامنة والستين .. اتحرك بحيوية لابأس بها .اسافر عبر القارات .. اكتب وامارس كا احب ان أمارس بشكل معقول .. طبعا ليس كما في السابق . وكنت اعرف ان ما اكتبه في ايثاكا يتطلب مني جهدا يستنفذ طاقتي المحدودة التي كنت اغرف منها قبل العملية . وكانت النتائج الجانبية للعملية التي قرأتها في النيت مزعجة فبالإضافة الى نتائجها الجنسية ثمة نتائج جسدية منها عدم القدرة على التحكم في البول - مثلا- وقد حبتني اللهة برحمتها فجنبتني هذا الحرج لكن كيف لي ان اعرف ذلك مسبقا ؟)
جسدي هذا عملني عبر السنوات واجتاز معي واجتزت به سجونا ومعتقلات وحروبا ورصاص قناصة واخذني إلى اجساد آخرين ارتويت منهم ورووني .تحملنا بعضنا طوال السنوات اطببه واداديه واغسله والبسه ثيابا واعطره ليقوم هو بجواباته تجاهي من خلال وظائفه المفترضة . لكنه ها هو يحرن الآن ويرفض العمل ويخل بالإتفاق !
اليس من حقي اذن ان اغضب .
طوال اسابيع الانتظار الستة كنت احمل داخل جسدي جهاز القسطرة وهو لمن لا يعلم كيس من البلاستيك الخاص مثبت به انبوب بلاستكي ايضا . يمرر الطبيب الأنبوب من فتحة القضيب الصغيرة على امتداد القضيب حتى يصل الى غدة البروستاتا التي حينما تتضخم كما في حالتي تغلق مجرى البول . الفكرة هي فتح مجرى البول اتوماتيكيا ليتسرب الى الكيس الملحق والذي افرغه بين وقت وآخر . بقي الجهاز داخلي طوال المدة انام به واصحو. لكن جسدي احيانا كان يرفض هذا الزائر الغريب فيحاول ان يطرده فلا يفلح فيتقلص ويسبب لي الوجع البالغ.
كنت اتخوف ايضا من الخروج الى المقهى بحالتي هذه فقبعت في البيت لا استطيع الجلوس طويلا على مقعد او الاستلقاء .
لذا كنت انتظر العملية لتريحني من عذاب القسطرة ..
قالت الطبيبة حينما لاححت على موعد سريع ان العديد من المرضى يفضلون الحياة بالجهاز على مغامرة العملية . قلت لها اني افضل ان انتهي من هذا الوضع مهما تكن النتائج .
كنت اشعر ايضا اني لست آسف على ما لن استطيع تحقيقه بعد العملية .. فقد تأملت في حصاد السنين وعرفت اني حققت كثيرا مما كنت اربو لتحقيقه على كافة المستويات .. ورضيت بقسمتي
صحبتني وزجتي خلال رحلة الأطباء والكشف بالمناظير والقلق من ان يكون الورم سرطانا .كما صحبتني في رحلتي الى المستشفى ليلة العملية تحمل حقيبة صغيرة بها بعض الكتب وادوات حلاقة ونوتة ذات غلاف اسود كانت قد اهدتني هي اياها في مناسبة ما منذ سنوات . كنت اكتب فيها بعض الخواطر وانا بعيد عن الكمبيوتر ثم القي بها جانبا وانساها.
حان الآن وقتها .
انا في غرفة صغيرة لطيفة . بلي لطيفة لأن بها ورودا وتلفزيونين واحد لي والآخر لزميل الغرفة وهو رجل يصغرني في العمر من سورينان تصادقنا صداقة زمالة المرض وعرفت منه انه اجرى عملية تحويل مجرى البول بعد تعطل اجزاء من قضيبه بسبب السرطان .
ما علينا
غدا سوف يأخذونني الى غرفة العمليات : اسلم جسدي إلى اناس لا أعرفهم ولم التق بهم من قبل وغالبا لن التق بهم بعد ذلك . يفتحون جسدي ويقومون بتخليصي من اوجاعي .
في الليل بعد ان فارقتني الآسرة عطتني الممرضة حبةمهدئة حتى انام بعض الوقت . تفرجت على التلفزيون الصامت من خلال السماعات . تناولت العشاء . وحاولت ان انام . من المؤكد اني غفوت ليوقظوني حوالي السادسة صباحا . حبة مهدئة اخرى ويسحبوني بسريري الى غرفة العمليات حيث تركوني في ردهة كبيرة مكتوب عليعا انتظار .
كنا اكثر من ستة اشخاص ومعنا ايضا بعض النساء في حالة صمت وترقب .
سحبوني بسريري الى غرفة العمليات
( يتبع

No comments:

Post a Comment