Saturday, September 22, 2007

a writer from Aswan

Ahmed Abu Khnejer (the man with little dagger!)is a writer from Aswan. He is from Abbda tribe. He has a special "voice " in his creative writing: short stories and novels.
Madny asked Abu Khmejer to contribute by writing "something", so he gave us his feeling on seeing Naghuib Mahfouz the first time on a Cairo street: The Guru and the student

* أحمد أبوخنيجر

* أطياف من نجيب محفوظ.
طيف 1986
خلال الإجازة من العام الدراسي الجامعي، كنت آتي للقاهرة مدفوعا بحاجتي للعمل، و قد كان أن عملت بإحدى شركات إنتاج و توزيع الفيديو- الذي كان رائجا أيامها- و ذلك عن طريق قريب لي، كان المكتب يقع بالعجوزة، آتي في الصباح و أنصرف عند العاشرة مساءً.
في هذا الصباح نزلت من الأتوبيس، و قبل أن أعبر الطريق، رميت عيني، بالعادة، إلي الضفة الأخرى من الشارع، و جمدت تماما، كان نجيب محفوظ يسير متوكئا على عصاه، بهمة شيخ تليق به و يليق بها؛ كان جلالا و هالةً من سحر، و عدم توقع أن تمر هذه اللحظة بي، و هتفت بي روحي: أنه هو، حقا و يقينا. و ما كنت قادرا على تصديقها، و كأي مبتدئ، لم تلوثه الثقافة بعد، فقط كانت القراءة، الغارق فيها، و التي تعلى من شأن الكتاب، و تجعلهم في نظري: الرجال العظام. و كان نجيب محفوظ واحدا منهم بلا شك.
وجدت روحي تدفعني لعبور الشارع، و اللحاق بالشيخ، و إلقاء التحية عليه، فقط رمى السلام من قريب، و ربما أمكن- طمعا- مصافحته، و الشارع مزدحم بالعربات المنطلقة بسرعة شديدة في الاتجاهين.
كان الشيخ يبتعد، و هبط سكون فوري على الوجود من حولي، لم يكن يتحرك شيء، سوى الرجل المتعكز على عصاه و المبتعد في الناحية الأخرى من الشارع، و أنا الواقف عاجزا عن عبور الشارع إليه، لكن الصمت الذي ترسخ، أبعد كل شيء، و أخلى الطريق تماما، و كانت فرصتي المثالية للعبور، كنت متلهفا و متعجلا، فخطوت مسرعاً، غير أن يدا قوية ردتني للخلف، مبعدةً إياي عن نهر الشارع، فيما صوت عجلات تصرخ اثر استخدام الكوابح فجأة، و شتائم قاسية و مرة تنطلق من فم السائق؛ رويدا بدأ الوجود يستعيد نشاطه و حميته المستعرة، فنظرت و أنا أحاول أن أتمالك نفسي في وقفتي، كي لا أسقط، و رأيته هناك... بعيدا... يسير بين جموع الناس المسرعين للحاق بأعمالهم.

طيف 1994
كانت عمتي قد أدمنت شراب النوفالجين و سماع الراديو، و كانت وحيدة، و كنت كلما أذهب إلي البلدة أقيم عندها، كنت أجد الراديو دائرا طوال النهار، تقلب بين محطاته، ما أن تجد أغنية تحبها، أو مسلسل، أو حلقة درامية، حتى ترفع يدها عن المؤشر، و عندما يقترب موعد نومها تدير المؤشر تجاه القرآن الكريم، و ما كنت لأتذمر.
في هذا اليوم، رجعت في المساء، عقب يوم طويل قضيته و بعض الأصدقاء في رحلة للجبل الواقع خلف البلدة، كنت متعبا، و عارفا بأنها سوف تبدأ موالا طويلا من العتاب، و أسئلة عن الأكل و الشراب، و أين كنت؟ لكن شيئا من هذا لم يحدث، رميت السلام عليها و أنا أتحسب لاندفاعها، لكنها ردت علىّ بصوت محزون ، أدركت أن هناك خبرا قاسيا علىّ أن استعد لسماعه و احتمال مصابه.
جلست على طرف الدكة متحفزا، قلت: خير يا عمة. فأجابتني بحدتها المعهودة في تلك الفترة: و منين يجى الخير. أيقنت أن المصيبة كبيرة، و تنبهت إلي القرآن المنبعث من الراديو في غير أوانه، و قلت في نفسي: ربنا يستر. فهذه طريقتها في الإخبار عن المصائب، و التي ينوبها فيها جزء و لو يسير؛ لذت بالصمت رغبة في هدوئها، حتى أتمكن فهم ما جرى بدقة، قالت و هي تنتفض واقفة من سريرها: الراجل الطيب.. يعملوا فيه كدا.. و بالطبع لم أفهم من هو الجل الطيب الذي تقصده و تكرمت عليه بهذا الوصف، أكملت بنفس الحدة: عمل لهم إيه.. و كان فضولي قد اشتعل، فسألت: راجل مين؟ لكنها لم تلتفت لقولي، و تابعت: يضربوه بالسكين في رقبته. وقفت فزعا: مين يا عمة؟! قالت و هي تشيح بوجهها عني: الراجل اللي بيعمل لنا التمسيليات الحلوة. و حيرتي تضرب في بحر متلاطم من ألغاز و أنصاف كلام: راجل طيب.. تمثيليات. قلت بوضوح تام: مين؟ قالت: الراجل اللي أنت بتقعد تقرى كتبه طول الليل. قلت بتوجس: نجيب محفوظ.
كانت عمتي كثيرا ما تلومني على السهر الطويل، و أنا ممسك بكتاب، و لما كنت أعرف حبها لمسلسلات الراديو، و الذي كان يذيع في ذلك الوقت مسلسل: الحرافيش. فقلت لها في محاولة لترضيتها أنني أقرأ ما تسمعه في الراديو. و بالمصادفة كانت معي رواية لنجيب محفوظ، لا أذكر اسمها، أخذت الكتاب مني، و راحت تتأمله بإكبار شديد، ثم راحت تقص علىّ عدداً عير قليل من المسلسلات المأخوذة عن كتب له، و حين سألتها عن رأيها فيها، قالت: حلوة.. أحسن واحد بيعمل تمسيليات. ثم أضافت بتحسر واضح: بس معملش تمسيلية عن الصعيد. ضحكت و قلت لها: يمكن يعمل.
أيوه.. هوه. قالت عمتي، و قبل أن يسيطر الاضطراب علىّ جريت للراديو، أقلب محطاته، كي أتبين الخبر اليقين.
طيف2006
كنت مدعوا لحضور مؤتمر المسرح المصري في الأقاليم، و المنعقد بمدينة القناطر، و في صباح الأربعاء عرفنا بالخبر، و كانت الجنازة الخميس، فقررت حضورها، طوال يوم الأربعاء و أنا أتلقى اتصالات هاتفية من بعض أقاربي و أصدقائي، كانوا يعزونني، و فكرت بأنني لو كنت بأسوان، فكان يتوجب علىّ أن أفتح الخيمة، و أجلس لتلقى العزاء، و ذلك بوصف نجيب محفوظ هو الجد، و رب البيت الكبير، و يكفى ورود خبر وفاته، كي يقوم الأحفاد و من قبلهم الآباء، بفتح سرادقات العزاء في كافة أنحاء البلاد، لكنني هنا، و قريب من القاهرة، و علىّ حضور الجنازة.
في الصباح الباكر غادرت متوجها نحو الحسين، فحسب وصيته: أن تخرج الجنازة من مسجد الحسين. لكن بسبب المواصلات، و انسداد الشارع، و الحزن الكظيم وصلت متأخراً.
لم استطع دخول ميدان الحسين، كان الطوق الأمني كثيفا و شديدا، و الناس تحاول النفاد، و حين لا يقدرون، يتابعون سيرهم و حزن نبيل يسيطر على ملامحهم، وقفت و جمع من الناس نرقب المشهد، كان البعض ساخطا، و البعض يسخر من رجال الأمن و أوضاع البلد، سيدة كانت تشهق بنشيج مسموع، و أخرى تتمتم بأبيات من العديد غير واضحة المخارج، دموع صامتة تنزل على الوجوه، و الأغلبية واجمة.
خرج النعش من المسجد، و خلفه بعض الرجال و المشايخ، و سرعان ما اختفى في جوف العربة المعدة سلفا، و التي انطلقت على الفور، ذهول عظيم حط على الناس، فمعظمنا كان يتوقع مسيرة طويلة تطوف بالميدان و الشوارع القريبة، لكن الخبر سرى: الجنازة العسكرية.
وقف الناس يضربون كفا بكف، هتف واحد: أنهم يسرقوه. لفترة بقينا نتأمل حسرتنا و خواء يدنا من النعش، و عدم قدرتنا على اللحاق به، بعض الناس تذكر جنازات: عبد الناصر، أم كلثوم، عبد الحليم، الشعراوي، و أخيرا: أحمد زكي. و بحزن انفرط عقد الناس.
عدت غاضباً و منفعلا، و لما سألني بعض الحاضرين عن الجنازة، رددت بكل الغل المكبوت داخلي، و سردت ما جرى و وقع، واحد علق ساخرا: و أنت منفعل ليه. لم أعرف كيف أرد، و لمحت نبرة الهزء و التندر من الجالسين بأروقة مؤتمر المسرح المصري في الأقاليم علىّ و على حدتي غير المبررة، كنت متحيرا و غير قادر على التفريق بين التريقة و الكلام الصادق، و حين قال واحد: هو يعنى نجيب محفوظ بتاعك دا.. كان علَّم مين.. و لاَّ ربَّى مين.. و لم أعد أحتمل، و تساءلت في داخلي: أهولاء هم المثقفون و الكتاب.. أحفاد هذا الرجل.. أم أنهم أباء و إخوة ذلك الشاب الذي طعن الرجل - ذات مغرب- في رقبته!!. و قمت منصرفاً قبل أن تنفجر البذاءة.
تعليق
أحمد ابة خنيجر كاتب من اسوان وهو من قبيلة العبابدة ( ان لم اكن مخطئا!) له صوته المميز الذي يبدو واضحا في قصصه القصيرة ورواياته . تتميز اعماله بجو مختلف عن الكتابات التقليدية المصرية أذ انها لصيقة بالبيئة الصحراوية الجبلية في جنوب الوادي. يكتب نثرا قريبا من الشعر في رقته وفي حدته ايضا . شخوصه سحرة وكائنات تبدو كأنها خرافية وخيالية لكننا نعرفها ونحلم بها وتأتي الينا في مهاجعنا وكوابيسنا.






No comments: