هذه هو عنوان مقال في " راديو نيزلاند وورلد وايد " والتطرف المقصود هو بالطبع التطرف الإسلامي. لكن - مع الاعتراف بوجود تطرف اسلامي - علينا ان نكون منصفين ونعترف أيضا بوجود تطرف ديني وعرقي مسيحي وابيض في هولندا. نقول هذا استنادا على تقارير هولندية رسمية؛ اصدرتها مراكز الأبحاث هنا في هولندا.
والتطرف اصطلاح مطاط وغامض، ظهر في القواميس السياسية،في العقود الأخيرة ، ليعبر بشكل ما عن "تعصب ديني وعرقي "ورفض للآخر المخالف والمختلف سياسيا او ودينيا او وعرقيا. رفض يستند غالبا على نصوص دينية وعلى نوازع قومية واثنية تنادي بامتياز وتفوق وخصوصية عرق على آخر وشعب على شعوب أخرى ولون على بقية الألوان ودين على بقية الأديان.
التطرف ضد التسامح وضد حقوق الإنسان وضد بعض نصوص موجودة في كل الأديان...ايضا!
لذا من الضروري حينما نبدأ بمناقشة التطرف في الدين الإسلامي علينا لكي نكون منصفين وموضوعيين ان نناقش التطرف في بقية الأديان؛ من خلال نصوصها المقدسة؛ تلك المعمول بها، او تلك المهملة.
هذا هو مفتتح لمناقشة التطرف تمهيدا لرصد اسبابه.
ونبدأ بالتهم المرسلة ( وبعضها حقيقي) ضد الشباب المسلم المقيم في هولندا والذي ينتمي لأصول مغربية مغربية على وجه الخصوص وعربية بشكل عام.
أثبتت الدراسات والأبحاث الرسمية الأكاديمية في هولندا حالة التمزق التي يعيشها هؤلاء الشباب. فهم يقيمون داخل كانتونات شبه مغلقة. فالبرغم من التحاقهم بنظام التعليم الهولندي الإجباري حتى عمر معين؛ وبالرغم من إجادتهم للغة الهولندية وحصول معظمهم على شهادات إتمام التعليم المتوسط ( نسبة ضئيلة منهم تواصل التعليم العالي والجامعي) فإنهم لا يجدون عملا بسهولة في سوق العمل الهولندي اسوة بزملاء دراستهم الهولنديين البيض ( المسيحيين ) والأسباب المعلنة تقول " عدم ملاءمتهم اجتماعيا " وهي اسباب مطاطة وغامضة في مجتمع رأسمالي يعتمد بالأساس على المهارات الفردية وعلى مبدأ التنافس. لكن السبب الحقيقي غير المعلن هو إحجام ارباب العمل الهولنديين من رأسمال خاص او رأسمال الدولة او في المناصب الحكومية والبلدية عن تعيين هؤلاء الشباب لأسباب عرقية بحتة لكنها مستترة. فالمجتمع الهولندي المدني ينكر بشدة وجود نوازع عرقية تتحكم فيه. هذا بالرغم من ان الدراسات الرسمية الحديثة بدأت تؤكد تواجد النوازع العرقية في المجتمع الهولندي الذي كان مشهورا في السابق بالتسامح.
تقلص التسامح في العالم بشكل عام وفي الغرب بشكل خاص له اسبابه المختلفة؛ لكن الشواهد على ذلك واضحة وأهمها؛ صعود اليمين السياسي- الديني متمثلا في أحزاب سياسية -دينية ترضي مشاعر الطبقات الوسطى والصغيرة في المجتمعات الغربية التي تخلصت من كابوس الحرب الباردة مؤخرا ومن مخاطر الغزو الأيديولوجي الماركسي، لتركز مخاوفها في الصراع الديني والثقافي بين الغرب المسيحي والشرقين العربي والآسيوي الإسلاميين.
ينظر لهذا الصراع منظرون غربيين اكاديميون ويحذو حذوهم منظرون شرقيين دينيون؛ تربط بينهم جميعا؛ مخاوف متعلقة بنظرية المؤامرة.
فالغرب يعلن تخوفه من سيطرة الأفكار الإسلامية على ما يطلق عليه "نمط الحياة الغربية " والشرق الإسلامي يعلن مخاوفه من مؤامرة الغرب المسيحي على ثقافته وعلى مقدراته الاقتصادية.
مخاوف متبادلة بعضها صحيح وأغلبها مختلق!
لكن بالنظر أيضا إلى مبدأ التعصب الديني في بلد واحد يدين اهله بالإسلام والمسيحية مثل مصر. نجد ان ثمة كراهية واضحة متبادلة " للآخر" الذي يتكلم اللغو نفسها وينخرط اجباريا في الجيش ويدرس في ذات المدارس والجامعات.
إذن فمن السخف ان نقول ان احد اهم اسباب التعصب هو جهل بثقافة الآخر او بنمط حياته او لعدم اتقانه اللغة الرسمية السائدة، او لتخلفه العلمي او لعدم موائمته اجتماعيا.
فالأقلية الدينية المسيحية في مصر تشكو من عدم تطبيق مباديء المساواة في العمل، تلك التي ينص عليها الدستور والقانون ومباديء حق التعيين في المناصب الحساسة في الدولة من جيش وشرطة وحكم.
ان حجة عدم الموائمة اجتماعيا، تلك المستخدمة في هولندا ثبت عدم دقتها في حال " محمد بويري " قاتل المخرج الهولندي فان خوخ، في القضية الشهيرة المتعلقة بإخراج فان خوخ فيلما اعتبره بويري وآخرون مسيئا للإسلام.
ان بويري هو النموذج الأكمل لحالة الشباب المغربي في هولندا: فهو يجيد اللغة الهولندية كتابة وقراءة، نثرا وشعرا . درس مباديء الصحافة وفشل في الحصول على عمل يناسب مؤهلاته. ارتكب بعض المخالفات الصغيرة التي ادت الى حبسه مددا قصيرة.في السجن تعرف على اصوليين إسلاميين وانتمى (او اسس ) خلية اصولية.
وبقية الحالة معروفة!
سوء الفهم والعنف المتعمد هنا موجود في الجانبين: المخرج والقاتل .
فما الذي يحدو بمخرج غير معروف على النطاق المحلي ان يفكر، ثم يعد ، ثم يخرج فيلما يهاجم به الدين الإسلامي ؟ ما الذي كان يهدف او يرجو تحقيقه؟
اليس عملا كهذا يعتبر عنفا موجها ضد جماعة دينية تنتمي عرقيا الى دين وعرق مختلف؟
هذه الجماعة الدينية العرقية تعيش - أيضا- في مشاكل هامة مختلفة؛ اهمها عدم قدرة اعضائها على تحقيق طموحاتهم المشروعة في الحصول على أعمال تتناسب ومؤهلاتهم المختلفة. احساسهم بتهميش متزايد في مجتمع ينتمون اليه بحكم الميلاد واللغة والتعليم.
وإذا كان الادعاء الهولندي ان مسلمي هولندا العرب لا يعرفون شيئا كثيرا او قليلا عن الهولنديين؛ فهل يعرف الهولنديون كثيرا او قليلا عن حياة مسلمي هولندا العرب سوى ما تمدهم به احهزة الأعلام التي لا تختلف كثيرا في جهلها وضحالتها عن جهل وضحالة المواطن الهولندي بشكل خاص واغربي بشكل عام عن الإسلام والمسلمين وعن العرب ؟!
رفض مبدأ الحوار والتفهم والتقبل والتسامح ليس مقصورا على " البويريين " فحسب ، انه المبدا السائد الآن في الثقافة الغربية.
وسيظل الباحثون والسياسيون يبحثون عن مخارج مختلفة تبدو لي مثل الأبواب الزائفة في المقابر الفرعونية ، تلك التي لا تقود إلى مخرج من المقبرة او لا تأخذك الى كنوزها.
سيظل الوضع هكذا طالما يتجاهل الغرب ؛ البدء بإصلاح موقفه من الأقليات الدينية - العرقية التي تعيش ؛ وستواصل العيش ، في الغرب .
هذا الموقف المستهجن والمتعالي والجاهل والرافض لكل ما تمثله ثقافات وديانات هذه الأقليات. ان ما حدث ويحدث في المملكة المتحدة من الجيل الثاني من المهاجرين الباكستانيين هل تنجح المسلمين؛ من رفض لأسلوب حياة وسياسة المملكة المتحدة ونتائج هذا المتمثلة في مذبحة مترو الأنفاق في لندن شهر يوليو منذ عامين، هو مثال من المؤكد تكراره في اماكن مختلفة في الغرب ، نتيجة لسوء الفهم والتربص المتبادل من الجانبين.